خاطرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وسلامي مع المزيد من اشواقي ودعواتي ارجو ان تكون ايامكم بذكر الله معمورة وبخدمته موصولة. اقدم لكم هذه الخاطرة هدية تعارف:
خرجت امس في نزهة قطعت خلالها مسافة طويلة مشيا على الاقدام ولم احس باي تعب، او بتعبير اصحّ لقد تعبت ولكنه تعب محبّب تتمكّن ان تمحو اثاره شربة ماء من تلك المياه العذبة، او نسمة هواء من نسمات الجوّ الرطبة، وقد انتهى بي السير نحو روض يانع عابق بالزهور، وهناك امتدت يدي لتقطع زهرة كانت قد تفتّحت بشكل رائع، وما ان قطفت تلك الزهرة حتى سمعتها قد تضاحكت في غرور وشمخت بانفها مع مزيد من الرفعة والاعتزاز وخاطبت رفيقتها قائلة: ابقي انت في تربتك هذه، اما انا فسوف اذهب لأحتلّ مكاناً وسط آنية من الزجاج، واعتلي منصّة عالية من المرمر او الساج، أو لعلّني سوف أصبح زينة فوق صدر غادة تتهافت عليها الانظار، أو اُتوِّج هالة من شعر يخطف بشقرته الابصار.
نعم إبقي انت هنا أمّا أنا فسوف أنطلق من هذه الجذور التي تشدّني الى التراب، وأتحرّر من هذه الأغصان التي تحسب أنها هي التي تمدّني بالحياة، لن أحتاج بعد اليوم إلى رحمة فلاّح يسقيني من العطش أو ستار يحميني من الشمس، سوف أستشعر معنى الحرِّيّة التي طالما تمنّيتها من قبل، ولكن أنت أيتها المسكينة أسفي عليك يا اُختاه.
وإذا بتلك الزهرة تجيب اختها وتقول لها في حسرة: لشدّ ما أنا آسفة من أجلك يا اُختاه فما أنت إلا مخدوعة; إن هذه الجذور التي تشدّك إلى الارض هي عنوان حياتك، وإن هذه الأغصان التي تربطك بالتربة هي صماّم الأمان لحفظ روائك وبها تحيين. إن هذه الحرِّيّة التي تنتظرك والتي سوف تؤدِّي بك إلى الذبول وتبعث في أوراقك الجفاف فتتساقط بعد ذلك وتتطاير مع النسيم; هذه هي نتائج حرِّيّتك الموعودة، أمّا أنا فسوف أبقى حيّة نضرة مادمتُ نابتة في مكان نبتت فيه بذرتي مشدودة إلى الجذور التي تهبني معين الحياة مرتبطة بتاريخي.
والى هنا سكت الحوار، فهل تعلمون يا أخوتي كم كنت اشعر بالسعادة وأنا أستمع الى هذا الحوار؟ ولهذا فقد عدت من نزهتي تلك وأنا اُحس بنشوة روحية لأنني قد تعرّفت خلالها على خاطرة جديدة.
وختاماً أبعث اليكم بأصدق أشواقي ودعواتي